وكأن الحزن غرس أنيابه في جسدها وتسلل ليسكن روحها التي أنهكها الفقد، فلم تكن حياتها تشبه يومًا صوتها الحنون المشرق، بدأت رحلة فيروز مع الفقد مبكرًا مع رفيق الدرب وشريك حياتها عاصي الرحباني، ومن ثم الفاجعة التي لم تعد بعدها فيروز كما كانت، ثم جاء الفقد الأعنف ليهشم ما تبقى من السيدة العظيمة برحيل نجلها وشريك مشوارها الفني زياد الرحباني، ولسان حالها يردد: «يا ريتك مش رايح، ياريتك تبقى.. تبقى عطول».

أوائل صيف 1986، تتشح السيدة بالسواد وترتدي نظارة سوداء تخفي ملامح وجهها الحزين، تتوسط ابنتيها ليال الشابة ذات الـ27 عامًا، و«ريما» التي لم تكمل عامها الـ21، تحافظ على رباطة جأشها في وداع عاصي الرحباني رفيق رحلتها الإنسانية والفنية، تلتقط عدسات الكاميرات صورًا وسط الجموع وأمام النعش وهي تودع شريك عمرها وصوتها، لم تتحدث، لم تبكِ على العلن، لكنها كانت تبكي في كل أغنية.

رحيل ليال رحباني يزلزل حياة فيروز

شتاء 1988 كان موعد الصدمة التي ستهز كيان الأم إلى الأبد، ليال الفتاة الرقيقة التي تشبه فيروز في هدوئها، ونظرة عينيها المعلّقة، وخفة ظلها، بعد سهرة عائلية دافئة حول حفلات فيروز، تستيقظ العائلة كلها إلا «ليال» التي أبى جسدها الاستجابة إلى كل محاولات الإنعاش ليتمّ نقلها إلى المستشفى ومنها إلى العناية المركزة، ولم تمر إلا ساعات معدودة لتعلن الأجهزة رحيل الشابة ذات الـ29 بسبب انفجار شرايين مخها.

لم تُصدر فيروز بيانًا لم تبك على الشاشة، لم يراها الجمهور بملابس الحداد، بل آثرت صمتًا مطبقًا، منذ ذلك التاريخ أصبح ظهورها قليلًا محسوبًا ومعدودًا كأنّها اعتزلت العالم تدريجيًا.

«تاري الأحبة ع غفلة بيروحوا ما بيعطوا خبر»، فيروز التي اعتقدت أنها نالت نصيبها من الألم والمآسي كانت على موعد مع صدمة جديدة في 26 يوليو الجاري، ابنها البكري، شريك جزء هام من رحلتها الفنية، نقيضها وحبيبها، الذي رحل عن عمر يناهز 69 عامًا بعد صراع لسنوات مع مرض تليف الكبد.

«إلى ابني الحبيب.. فيروز»، بتلك الكلمات على أكليل زهور في كنيسة رقاد السيدة بالمحيدثة، ودعت السيدة نجلها زياد الرحباني، والتي حرصت على الظهور للمرة الأولى أمام عدسات الكاميرات بعد فترة طويلة من الغياب لتلقي نظرة الوداع على نجلها.

سهم:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *