لا يزال الألمان ينظرون إلى مكيفات الهواء بعين الريبة؛ فكلمات مثل “غير بيئي” و”غير صحي” هي أول ما يتبادر إلى ذهنهم عندما يدور الحديث عن مثل هذه الأجهزة، ويكون شغالهم الأكبر في ذلك هو الخوف من التداعيات الصحية لـ”تقلب تيارات الهواء!”

في الولايات المتحدة الأمريكية يُعد استخدام مكيفات الهواء أمرا طبيعيا.

ومع ذلك، فإن العديد من المكاتب في ألمانيا غير مُجهزة بمكيفات الهواء أو أنها رديئة التكييف، وكذلك الحال بالنسبة للمتاجر والفنادق والمطاعم، كما تفتقر العديد من المستشفيات إلى توفير مستوى مناسب من أنظمة تكييف الهواء، ما يُمثل مشكلة للمرضى والموظفين على حد سواء.

في المقابل، لا يتخلى أحد تقريبا الآن عن وجود مكيف هواء جيد في سياراته هذه الأيام. وفي تلك الأثناء تشهد القطارات السريعة التابعة لشركة السكك الحديدية الألمانية “دويتشه بان” أعطالا متكررة في أنظمة تكييف الهواء.

أما شركة النقل العام في برلين (بي في جي) أكبر شركة نقل في ألمانيا  فتعمل بأنظمة التهوية فقط، ولم تُركّب أي أنظمة تكييف هواء في قطارات الأنفاق التابعة لها، مبررة ذلك بأن تلك الأنظمة “غير اقتصادية وضارة بالبيئة” ، في “نفتح جميع أبواب القطارات في محطة المترو كل دقيقة.

في مثل هذا الوضع لن تفيد مكيفات الهواء في شيء”. تقول إيفا هورن، الباحثة في العلوم الثقافية، في إشارة إلى التحفظ السائد إزاء مكيفات الهواء في الدول الناطقة بالألمانية: “هناك أسباب وجيهة للتشكك إزاء مكيفات الهواء.

هناك ما يُسمى بالعادات الثقافية، تجربة الانتقال من الحر إلى ما يشبه غرفة باردة كالثلج أمر غير مألوف بالنسبة للألمان”.

وكانت هورن، أستاذة العلوم الثقافية والأدبية في جامعة فيينا، نشرت عام ٢٠٢٤ كتابا بعنوان “المناخ – تاريخ الإدراك”.

وقالت هورن: “لا تستهلك أنظمة تكييف الهواء كميات هائلة من الطاقة فحسب، بل تُسهم أيضا في تغير المناخ. كما أنها غالبا ما تكون مضبوطة على وضع شديد البرودة، ولذلك تثير إحساسا بعدم الارتياح، لأنها تهدف الوصول إلى درجة حرارة قياسية: 22 درجة مئوية، ونسبة رطوبة 50٪”.

وأوضحت هورن أنه بالاعتياد على درجات الحرارة القياسية هذه، “نفقد قدرتنا على تحمل درجات الحرارة الأعلى أو الأدنى – وبالتالي لا نتحملها بعد الآن”، وقالت: “في المناطق الاستوائية، نرى بالفعل أن الرفاهية ترتبط ارتباطا وثيقا بالبرودة، ويتجنب الناس درجات الحرارة الخارجية الدافئة كلما أمكن  على سبيل المثال بقضاء عطلات نهاية الأسبوع في مراكز التسوق”.

وأضافت هورن: “في ألمانيا، حيث لم نعتد على صيف حار لفترة طويلة، نفتقد أيضا العديد من الأساليب التي تساعدنا على التبريد بدون مكيفات الهواء: المراوح والمظلات، والقيلولة، وتأجيل الوجبات حتى وقت متأخر من المساء، ورش أنفسنا بالماء، وتناول أنواع من الحساء البارد ،أو ببساطة المكوث دون فعل شيء”.

كشف استطلاع حديث للرأي أن الاهتمام بشراء مكيفات الهواء قد انخفض بالفعل في ألمانيا.

وفي الاستطلاع، الذي أجراه معهد أبحاث الرأي “إنوفاكت” بتكليف من بوابة مقارنات السلع “فيريفوكس”، ذكر حوالي 18% فقط من المشاركين أنهم يستخدمون أجهزة مكيف الهواء في منازلهم، ويستخدم ما يقرب من ثلثيهم جهازا محمولا ، ما يُسمى بـ”مونوبلوك” ، والتي عادة ما تكون أرخص ولكنها أقل كفاءة من الأنظمة المدمجة.

ومن المرجح أن الكثير من الناس في ألمانيا يتجنبون شراء أجهزة تكييف الهواء بسبب ارتفاع تكاليف الكهرباء وأيضا لأن العدد المتزايد من مضخات الحرارة، التي يمكن استخدامها أيضا للتبريد، يجعل شراء وحدة إضافية غير ضروري.

وماذا يقول باحثو التبريد المتخصصون عن كل هذا؟ يقول أوفه فرانتسكه، المدير التنفيذي لمعهد تكنولوجيا تكييف الهواء والتبريد (غير الجامعي) في دريسدن: “على الرغم من أن تكييف الهواء يعتبر أمرا معياريا في جنوب أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فإنه لا يزال يُنظَر إليه بشكل سلبي في ألمانيا”، مشيرا إلى أن هذه الريبة لها أسباب أخرى إلى جانب التكلفة والمخاوف البيئية الألمانية النمطية.

وأوضح فرانتسكه أن هذا يُعزى جزئيا إلى عوامل تاريخية، وقال: “لطالما اعتُبر التبريد رفاهية – التدفئة كانت أكثر أهمية”، مضيفا أن هناك أيضا انتشارا لمخاوف صحية، وقال: “يعتبر الكثير من الناس مكيفات الهواء سببا للوعكات الصحية  تيارات هوائية، هواء جاف، خطر الإصابة بنزلة برد، علاوة على الضوضاء”.

وأضاف فرانتسكه أن هناك أيضا عقلية ترفع شعار “يجب تحمل الوضع”، موضحا أن الكثير من الألمان يفضلون تحمل الحر بدلا من التغلب عليه، مشيرا في المقابل إلى أن عواقب ذلك غالبا ما تكون “انخفاض التركيز وتراجع الأداء”. وأشار فرانتسكه إلى أن جهود الحماية من حرارة الصيف الآخذة في الارتفاع تصل إلى حدودها القصوى في العديد من المباني مع استمرار طول فترات الحر، مضيفا أنه ليس من المتوقع حدوث تحسن على المدى القصير، وقال: “في القطاع الخاص، نشهد رغبة متزايدة في الاستثمار في أنظمة تكييف الهواء، أما في الهيئات العامة والمؤسسات المماثلة، فلا أرى أي تغيير”.

سهم:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *