تمضي إسرائيل بخطى متسارعة نحو ترسيخ واقع استيطاني شامل في الضفة الغربية المحتلة، يتخطى حدود المناورات السياسية إلى رسم خرائط جغرافية جديدة على أرض فلسطين.
وفي هذا الإطار، يعود مشروع E1 إلى الواجهة بعد تجميد دام قرابة عقدين، ليشكل حلقة مفصلية في هذا المسار.
ويربط هذا المشروع المزعوم مستوطنة “معاليه أدوميم” بالقدس الشرقية، قاطعًا أوصال الضفة الغربية المحتلة إلى شطرين، ومكرسًا عزل القدس عن محيطها الفلسطيني.
ورغم تسويقه إسرائيليًا “كإنجاز تاريخي”، فإنه في جوهره إعلان صريح لإسقاط فكرة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، وتحويل الأرض إلى شبكة مستوطنات مترابطة، ضمن خطة شاملة لفرض السيادة الكاملة على الضفة كما يقول وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
وتؤكد أوروبا، في خطابها السياسي والحقوقي، أن أي توسع استيطاني يشكل انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي، وضربة مباشرة لكل فرص التسوية السياسية.
ويشدد الاتحاد الأوروبي على رفضه القاطع للإجراءات الإسرائيلية، خصوصًا أنها تأتي في لحظة بالغة الحساسية، قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يرتقب أن تعلن خلالها دول عدة اعترافها بدولة فلسطين.
وهذا التحدي الإسرائيلي السافر للمجتمع الدولي، رغم موجة الإدانات العربية والعالمية، يضع العالم من جديد أمام اختبار صعب: الموازنة بين التمسك بمبادئها القانونية والأخلاقية، وبين حسابات سياسية واقتصادية معقدة مع تل أبيب وواشنطن الحليف السياسي والعسكري لإسرائيل.
وقوبل الإعلان الإسرائيلي عن المضي قدمًا في مشروع E1 بحالة رفض فلسطيني شاملة، وصفته بأنه “طعنة جديدة” لمسار السلام ومحاولة نهائية لتصفية حل الدولتين، لما يحمله من تغيير الطابع الجغرافي والديمغرافي للقدس ومحيطها، وتهجير التجمعات البدوية، وعزل شمال الضفة عن جنوبها، بما يجعل من أي كيان فلسطيني مستقبلي مجرد جيوب معزولة ومنعزلة في الوقت ذاته.
وفي مواجهة هذا التحدي، طالبت السلطة الفلسطينية بتحرك دولي عاجل، وتكثيف الضغط السياسي والقانوني على إسرائيل، فيما دعت حركة حماس إلى جمعة غضب في عموم الضفة الغربية.
“تصفية الوجود الفلسطيني”
وفي هذا الإطار، قال معروف الرفاعي، المستشار الإعلامي لمحافظ القدس إنه “منذ عام 2018 أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ مشروع يكون فيه 5 مليون يهودي بنسبة عرب أقل 10%”.
وأشار الرفاعي في حديث تلفزيوني من القدس إلى أن “إسرائيل تجد أن الظروف مواتية من أجل تنفيذ مشروع E1، وخاصة في ظل تسارع المشاريع الاستيطانية وخاصة بمنطقة محيط القدس”.
وأردف” هناك كنتونات عربية تحيط بها مستعمرات يهودية ما يعني أن الاحتلال سيزيد من التهام أراضي الضفة الغربية”.
ولفت الرفاعي إلى أن “حواجز الاحتلال تجعل مدينة القدس معزولة عن محيطها العربي، فضلًا عن حالة البطالة والإبعاد علاوة على غياب الأفق السياسي لإيجاد حل لفلسطين”.
وراح يقول: “المشاريع الإسرائيلية هي بهدف تهويد مدينة القدس وإحلال المستوطنين مكانهم، وخاصة في ظل إقامة مناطق عشوائية بمحيط القدس وهذا كله من أجل تهجير المواطنين العرب من مدينة القدس”.
“قوة ديمغرافية”
بدوره قال عادل شديد، الباحث في الشأن الإسرائيلي، إن “صاحب مشروع E1 هو إسحق رابين الذي توقع سابقًا أن تكون هناك حالة إقليمية ودولية لتنفيذ مثل هذا المشروع الذي يحول دون التوصل إلى حل الدولتين”.
وأضاف شديد من الخليل أن “لا اقتناع إسرائيليًا بحل الدولتين، خاصة بظل حكومة الاحتلال المتطرفة وإدارة أميركية تتماهى مع رؤية اليمين تجاه الضفة الغربية ومستقبلها علاوة على ضعف المنظومة العربية التي تكيفت مع المجزرة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني بغزة”.
وراح يقول إن “المشروع الحالي لن يفصل شمال الضفة عن جنوبها فقط بل وسيعمل على إحكام الاحتلال قبضته على المجتمع الفلسطيني بأسلوب من أساليب التهجير والذي نجحت فيه إسرائيل نوعًا ما في الأشهر الأخيرة”.
ونوه شديد إلى أن “مشروع E1 يتعلق بالتركيبة الديموغرافية في مدينة القدس حيث يهدف الاحتلال من خلاله لتحويل العرب إلى أقلية عبر إضافة مزيد من اليهود هناك ليكونوا بمثابة قوة ديمغرافية لمواجهة العرب، خاصة أن نتنياهو يحظى بدعم من التيار المتطرف لتمرير تلك المشاريع، لذلك الحديث عن إسرائيل الكبرى هو ترجمة لمشروع E1”.
إسرائيل تعتمد على الضغط الأميركي بوجه أوروبا
من جانبه رأى يوهان ويك، الباحث في سياسات الاتحاد الأوروبي، أن “المسؤولين الإسرائيليين ينظرون إلى أن ترمب لديه أدوات فاعلة تضغط الاتحاد الأوروبي لعدم الاعتراف بفلسطين”.
وأضاف من بروكسل، أن “الاتحاد الأوروبي متقوقع على نفسه وخاصة في ظل وجود أحزاب اليمين”.
وأشار إلى أن “فلسطين ليست أولوية لدى الاتحاد الأوروبي ولهذا يعتمد الأمر راهنًا على التقارب بين الزعماء الأوروبيين”.
واعتبر ويك أنه “ينبغي اتخاذ قرار تحت مظلة مجلس الأمن الدولي لحل الدولتين حيث أن الاعتراف بدولة فلسطينية يمكن أن يتم عبر الفصل بين الجناح العسكري والسياسي لحماس”.
وختم بالقول إن “إسرائيل تراقب ما يجري في أوروبا من ناحية المساعي لبعض الدول الأوروبية للاعتراف بفلسطين لكنها تعتمد على الضغط الأميركي المرتبط بالحرب بأوكرانيا ودعم كييف عسكريًا من قبل واشنطن”.








