ضياء رشوان- البيان

خلال الأيام الثلاثة المتتالية، بدءاً من يوم الاثنين الماضي حتى الخميس، وصل إلى إسرائيل تقريباً غالبية الفريق الذي يدير السياسة الخارجية الأميركية، وكذلك المسؤول العسكري الأميركي الأول عن منطقة الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا.

فنائب الرئيس جي دي فانس وصل في اليوم التالي (الثلاثاء) لوصول المبعوث والوسيط الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومعه جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب والوسيط السابق والحالي بالمنطقة، وقبلهما الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، إضافة إلى وصول وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى تل أبيب، وهو نفسه مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي.

نائب الرئيس الأميركي يترأس في النظام السياسي الأميركي مجلس الشيوخ؛ الغرفة الأعلى في الكونغرس، وهو يحل ثانياً في سلسلة قيادة السلطة التنفيذية في البلاد، ويتولى قيادة الملفات المهمة التي يكلفه بها الرئيس، ويقوم بتمثيله لدى الدول الأخرى التي يرسله إليها كمبعوث له.

ووزير الخارجية هو بالطبع المسؤول الأول بعد الرئيس عن صياغة وتنفيذ مختلف السياسات الخارجية الأميركية عبر العالم.

وأما قائد القيادة المركزية الأميركية، فهو مسؤول عن منطقة تبلغ نحو 6.5 ملايين كيلومتر مربع ويسكنها أكثر من 560 مليوناً.

ومعروف بالطبع للجميع مكانة ستيف ويتكوف بالنسبة للرئيس الأميركي ترامب، سواء كصديق مقرب للغاية، أو كمبعوث ووسيط خاص في أهم نزاعين دوليين، الروسي – الأوكراني وصراع الشرق الأوسط متعدد الأبعاد. وأخيراً، جاريد كوشنر، صهر الرئيس ومبعوثه للشرق الأوسط في فترة ولايته الأولى، بكل تكوينه المركب وعلاقاته المتعددة المتنوعة في المنطقة وفي الولايات المتحدة.

لم يبق بذلك في العاصمة واشنطن من صناع السياسة الخارجية والدفاع الكبار في الإدارة الأميركية سوى الرئيس ووزير الدفاع، في حين يلتئم الباقون في إسرائيل.

ويثير هذا التواجد المكثف لهذا العدد من كبار المسؤولين الأميركيين التساؤلات حول أسبابه وكذلك نتائجه ودلالاته.

والأرجح أن السبب الأقرب للصحة، هو أن الرئيس الأميركي ترامب يريد في أقرب وقت ممكن تحقيق هدفين مرتبطين بخطته لإيقاف الحرب في قطاع غزة والبدء في عملية تسوية واسعة في المنطقة.

الهدف الأول هو الحيلولة دون توجه متوقع من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لخرق الاتفاق الذي تم على أساس هذه الخطة، وذلك عبر الضغط عليه من هذا الوفد الأرفع من المسؤولين الأميركيين.

وأما الهدف الثاني، فهو الانتهاء سريعاً من المرحلة الأولى من الاتفاق والانتقال فوراً للمرحلة الثانية الأكثر تعقيداً والتي يمكن لها أن تفضي إلى آفاق جادة نحو التسوية الكاملة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ومعه وبعده بقية صراعات المنطقة، وهو ما يحتاج على ما يبدو – بحسب تقدير الإدارة الأميركية – إلى تواجد هذا الوفد الأميركي الأرفع «لإجبار» رئيس الوزراء الإسرائيلي للدخول إليها.

وبعيداً عن الأهداف، وبالذهاب مباشرة إلى الدلالة الأهم والأخطر لهذا التواجد الأميركي غير المسبوق في إسرائيل في هذا التوقيت، وهي ما تنقسم إلى أمرين.

الأول، هو أن الأمر يبدو وكأن القرار الإسرائيلي في هذه اللحظة الفارقة من تطور الدولة العبرية منذ نشأتها، قد خرج من يد نخبتها، سواء الحاكمة أو المعارضة، وعاد إلى مركزه الطبيعي المنطقي وبصورة علنية، أي الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما باتت تردده تحليلات ورؤى إسرائيلية كثيرة أخيراً.

وأما الأمر الثاني، فهو أن الدافع لهذا التصدي الأميركي المباشر لإدارة الشؤون الإسرائيلية العليا واتخاذ القرار بشأنها، ليس بمثابة تخل عن الدعم المطلق المعروف والتاريخي من واشنطن لإسرائيل، بل هو تغيير لشكل هذا الدعم.

فقد باتت الإدارة الأميركية تبدو متأكدة من ضرورة «الوصاية» المباشرة على النخب الإسرائيلية الحاكمة والمعارضة في هذه اللحظات الحاسمة، بعد تأكدها من أن مواصلتها لسلوكها وسياساتها منذ بدء الحرب الدموية على غزة، يمكن له أن يسبب لإسرائيل مخاطر غير مسبوقة، وقد تصل إلى تهديد جاد للغاية لمستقبلها، بل ولوجودها نفسه.

سهم:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *