أيمن خالد
تصنيف أمريكا لبعض أجنحة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية لا يريح اليمين الإسرائيلي على نقيض خطاب نتنياهو المعلن، رغم أن التوصيف يتم استثماره جزئياً لاعتبارات وغايات حزبية داخلية، ومردّ ذلك أن الإخوان شريك غير معلن على المنظور الاستراتيجي، باعتبارهم كانوا يسهمون إلى جانب الرواية الإسرائيلية في تقديم صورة قاتمة عن بلدانهم أثناء رحلة استيطانهم في الغرب.
وبالتالي تبقى مسألة التقلب في الموقف الإخواني قائمة ضمن مبتكرات فن المصلحة، علماً أن الإخوان استبقوا ذلك بالحديث عن تحويل حماس إلى حزب سياسي، وهذا بالطبع ليس لأنهم بلغوا من الحكمة نصيباً، ولا لأن قلوبهم لانت عندما رأوا أوجاع الناس ولكنها لعبة البقاء على أرض تتيح لهم التناحر مع السلطة الفلسطينية لأن الانقسام يولد الانقسام، ولأن الطمع بالوصول في مسارات سلطة خاصة بهم في غزة يحمي حقيبة المال المحمولة على ظهورهم طوال سنوات البحث عن سلطة، وهو مكان يتوهمون من خلاله بترسيخ نمط يتيح لهم إحداث شرخ واسع في المنطقة، لأن إلغاء القضية الفلسطينية من الوجود هو أصيل في فهمهم، باعتبار أن الدولة الفلسطينية تكرس مفهوم الدولة الوطنية عربياً وهذا ينافي منهج الخلافة بالنسبة لهم، على الرغم من أنهم يتحدثون عن دولة فلسطينية الآن.
من الخطأ توصيف الإخوان كحركة إسلامية رغم كمية الخطاب الديني لأن الدين لديهم قشرة، ولا هم بالقدر ذاته كحركة سياسيّة لأن السياسة حكمة، وبالتالي هي هندسة بشرية في خصام مع أصول الدين، لأنه من منظورهم وفي خطابهم المعلن أن الدين الإسلامي كان على وشك الزوال فأنقذوه، وهذا يعني وصول الدين الإسلامي (إلى حالة من العجز عن الاستمرارية ) حتى جاء الاخوان فوضعوه على قاعدة الحزب لإنقاذه، وهو بالضبط مختصر الفكرة الدينية عن الإخوان، ولذلك أحضروا معهم ولادة الدم والسيف بحق كل من خالفهم، على نقيض الإسلام الذي خاطب فيه نوح عليه السلام ابنه وهو على يقين من ضلاله ( يابني اركب معنا) خاطبه بكلمة الرحمة التي فيها نسبه لنفسه، ومن بعده جاء الرسل وقالوا (يا قومِ) وهو خطاب لقمان لابنه (يا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) غير ان الإخوان يقولون بمن خالفهم ما يستوجب دمه، ناهيك عما حدث أمام مرآى الكاميرا من بتر للأقدام بالرصاص في غزة، وتكسير بالقضبان الحديدية وعلى الرغم من هول المصيبة هناك، ظلوا يصنعون من أجساد الناس جسراً للعبور إلى مرحلة سياسية جديدة، قوامها الملايين من أموال التبرعات، والتي كثير منها مسروق من عصارة الفقراء، والتي تذهب الى الطرف الآخر من العتمة، حيث يسطو المال على المال، ويصنع ويحدد القيم والأولويات تحت مسميات كثيرة.
لكن فوق المال ظلّة من الخطاب الإعلامي الأسود، والخليط السياسي الشعبوي كخطة مبتكرة بغية الوصول إلى نتائج واهداف سياسية، والذي يعمل على مدار الوقت، لا يترك مساراً إلا ودخل فيه، فهم يطرقون عليك بيتك، وغرفة نومك، ويدخلون الى هاتفك عبر الإعلان الممول لينقلوا لك فكرة أو قراءة بثوب ديني كي تتعاطف معهم، ثم وأنت تتابع هذا الركب يوحون إليك أنهم صوت الإسلام في الغرب، وضميره في الشرق، وما عليك سوى أن تزيد من الاستماع رويداً رويدا، بينما هم يشككون بكل ما هو حولك.
الإخوان إمبراطورية قائمة في الظل، اذا ابتعدت شككت، وإذا تمكنت على الأرض فتكت، لذلك إن معالجة موضوع الإخوان أكبر من نطاق حظر النشاط، بقدر ما هي كيانية عابرة للحدود، يمكنها أن تبدل الرداء والخطاب والسياسة غير أنها لم تبدل الهدف، فهي تحالفت خارج حدود الجغرافيا العربية واستقدمت محرمات السياسة، وتسببت بدماء ودماء، ونخشى أن لا يكون آخرها غزة، ويبقى أسوأ ما فيهم أنهم مزقوا الاسرة والبيت والعائلة في الأماكن التي استوطنوا فيها، عندما غرسوا في عقول تابعيهم قدسية الحزب، وعقدة الولاء، ودعوى أن السلطة ركن من أركان الإسلام، وهذا باطل في النص وباطل في المنهج، ثم زادوا على قدسية الحزب، فكرة الولاء للمرشد، باعتباره ولي الأمر، وهذه ابتدعوها لتسهم في صناعة القطيع.








